الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /تبييض السطور في بيان أن أعظم الخزي هو الخزي يوم البعث والنشور 20 ربيع الأول 1447هـ
تبييض السطور في بيان أن أعظم الخزي هو الخزي يوم البعث والنشور 20 ربيع الأول 1447هـ 2025-09-12 15:06:47


خطبة جمعة بعنوان تبييض السطور في بيان أن أعظم الخزي هو الخزي يوم البعث والنشور 

لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه 

سجلت بتاريخ ٢٠ ربيع الأول ١٤٤٧ه‍

مسجد الفاروق إب اليمن حفظها الله وسائر بلاد المسلمين 


إن الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه .


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[ آل عمران : 102] .


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[ النساء : 1 ]


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب : 70 ،71].


أما بعد :  فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.


يقول سبحانه وتعالى في كتاب الكريم عن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه لربه عز وجل أنه قال :{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}[الشعراء:87،89].

فأعظم الخزي هو الخزي يوم القيامة يوم

يجمع الله سبحانه وتعالى الأولين والآخرين، فمن سلمه الله عز وجل من ذلك الخزي فهو المفلح السعيد، ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، قال سبحانه وتعالى:{يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}[التحريم:8].

فلا يخزي الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام يوم القيامة، ولا يخزي الله سبحانه وتعالى المؤمنين، يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه، وأعظم الخزي في ذلك اليوم دخول النار، فمن أدخله الله عز وجل النار فقد نال أعظم الخزي والعياذ بالله،{رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192)} إلى قوله عز وجل {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}[آل عمران:194].

فهذا هو أعظم الخزي :{وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ (16)}[فصلت:16].

فعذاب الله عز وجل في النار هو أخزاء العذاب، ومن أدخله الله سبحانه وتعالى النار فقد أخزاه والعياذ بالله، ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار، ومن أعظم من يخزيه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة من كان مشركاً بالله عز وجل، يدعو غيره، ويذبح لغير الله عز وجل، وينذر لغير الله، كالذي يدعو الأموات من دون الله عز وجل وينذر لهم النذور، ويتقرب إليهم بالذبائح وأنواع القربات ويرجوهم من دون الله ويستغيث بهم ويتوكل عليهم، فهؤلاء مخزيون يوم القيامة، 


{ ثُمَّ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُخۡزِیهِمۡ وَیَقُولُ أَیۡنَ شُرَكَاۤءِیَ ٱلَّذِینَ كُنتُمۡ تُشَـٰۤقُّونَ فِیهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡیَ ٱلۡیَوۡمَ وَٱلسُّوۤءَ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ }

[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٢٧]


فهؤلاء مخزيون الذين جعلوا مع الله شريكاً يدعونه من دون الله، ويذبحون له وينذرون له النذور، ويتوكلون عليه من دون رب العالمين سبحانه وتعالى، يشاقون فيهم ربهم، فإن ربهم أمرهم بالتوحيد ونهاههم عن الشرك فشاقوه بخلاف ذلك، فأشركوا بالله وكفروا به والعياذ بالله فهؤلاء مخزيون، وهكذا من يحادد الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام فإنه مخزي يوم القيامة:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}[التوبة:63].

أن يكون الله عز وجل في حد وأنت في حد آخر، أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حد وأنت في حد آخر أي في جهة أخرى، يأمرك الله في شيء فلا تطيعه،

يأمرك النبي عليه الصلاة والسلام بشيء فلا تطيعه، ينهاك الله عن شيء فتقع فيه، ينهاك النبي عليه الصلاة والسلام عن شيء فتقع فيه أنت في حد وجانب وربك سبحانه وتعالى في حد آخر وفي جانب آخر، وهكذا نبيك عليه الصلاة والسلام، لا تكن محادا لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام فتكون من المخزيين والعياذ بالله، وممن يخزيهم الله سبحانه وتعالى يوم القيامة أهل الإجرام والعياذ بالله، الذين أجرموا وعصوا ربهم سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)}[طه:102].

في هيئة منكرة، عيونهم زرق:{كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ}.في غاية السواد، وجوههم كقطع الليل المظلم، وأعينهم زرقاء في قبح عظيم في منظرهم وهذا هو الخزي، {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}[يونس:27]

فهؤلاء مخزيون يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، ينظر إليهم الأولون والآخرون وهم في هذا المنظر الشنيع وفي هذه الصورة القبيحة أخزهم الله سبحانه وتعالى بسبب إجرامهم، والمجرمون هم العاصون الله عز وجل ومن صفاتهم تركوا الصلاة، قال سبحانه وتعالى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} إلى أن قال:{وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)}[القلم:43].


وقال سبحانه وتعالى :{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) 

مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)}[المدثر:38،43]

فذكروا هذا الذنب وابتدأوا به أنهم لم يكونوا من المصلين، فإياك أن تكون من هؤلاء فيخزيك الله سبحانه وتعالى يوم القيامة وذلك هو الخزي العظيم والعياذ بالله.

هناك من الناس من يخزيه الله سبحانه وتعالى فيحشر على وجهه، الناس يمشون على أقدامهم وهو يمشي على وجهه والعياذ بالله،{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ۖ مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)}[الإسراء:97].

يحشرون على وجوههم وهم لا يبصرون ولا يسمعون ولا يتكلمون، أخزاهم الله سبحانه وتعالى بسبب سوء أعاملهم، انتكسوا في الدنيا فكان الجزاء من جنس العمل، يحشرون على وجوههم يمشون على وجوههم وهم لا يبصرون، كانوا في الدنيا لا يبصرون الحق ولا يتكلمون به ولا يسمعون الحق، ولا ينقادون إلى ربهم انتكسوا فجوزوا في الآخرة بنظير أعمالهم وأخزاهم رب العالمين سبحانه وتعالى،{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34) }[الفرقان:34].


في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلاً سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال له يحشر الكافر على وجهه؟ كأنه متعجباً من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أليس الذي أمشاه في الدنيا بالرجلين قادراً على أن يمشيه يوم القيامة على وجهه ؟ قال قتادة : بلى وعزة ربنا، فالله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، منظر مخزي الناس يمشون على أقدامهم وهو يمشي على وجهه والعياذ بالله، هؤلاء قوم أخزاهم رب العالمين سبحانه وتعالى جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا.


وممن يخزيه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ذلك اليوم العظيم الذي يجمع الله سبحانه وتعالى فيه الأولين والآخرين من منع زكاة ماله، من منع زكاة ماله فإنه من المخزيين والعياذ بالله يوم القيامة، على رؤوس الأشهاد ينظر إليه الأولون والآخرون وهو في خزي عظيم والعياذ بالله، في مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِن نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ.

وهذا في أرض المحشر قبل أن يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، تصفح له صفائح من نار فتحمى في نار جهنم العياذ بالله ويكوى جبينه وظهره وجنبه كما قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}[التوبة:34،35].

فقالوا يا رسول الله : والإبل؟ قال: وما من صاحب إبل لا يؤدي حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة يبطح لها بقاع قرقر أي بقاع مستوية يبطح هذا الرجل في أرض مستوية، يبطح لها في أرض قرقر لا يفوته منها فصيل قال عليه الصلاة والسلام : فتطأه بخفافها وتعضه بأفواهها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، فقالوا : يا رسول الله والغنم والبقر ؟ قال: وما من صاحب غنم ولا بقر لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة يبطح لها بقاع قرقر قال لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء أي أنها تأتي وهي مكتملة في قرونها ليس فيها عيب، قال عليه الصلاة والسلام: فتنطحه بقرونها وتطأه بأضلافها كلما انتهت أخراها أعيد عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار .

وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من آتاه الله مالا فلم يؤدي زكاته مثل له يوم القيام شجاعاً أقرع فيأخذ بلهزمتيه أي بشدقيه فيقول أنا مالك أنا كنزك، وعند ابن حبان والحاكم وابن خزيمة من حديث ثوبان قال :" فلا يزل يتبعه حتى يلقمه يده فيقصقصها ثم يتبعه سائر جسده، خزي عظيم في ذلك اليوم والناس ينظرون إليه، وهو في العذاب الأليم وفي الخزي العظيم، ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فأطع ربك سبحانه وتعالى حتى لا يخزيك في ذلك اليوم.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته وأن يغفر لنا ذنوبنا إنه هو الغفور الرحيم .



الخطبة الثانية:


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد : اعلموا معاشر المسلمين أن من جملة من يخزيه الله سبحانه وتعالى يوم القيامة من كان من المتكبرين المتعالين على خلق الله، والكبر بطر الحق وغمط الناس، أي رد الحق ودفعه واحتقار الناس، من كان كذلك فإنه من المخزيين يوم القيامة، جاء في مسند الإمام أحمد وعند الترمذي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"

يُحشَرُ المتَكَبِّرونَ يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكانٍ ، يُساقونَ إلى سجنٍ في جَهَنَّمَ يسمَّى بولُسَ تعلوهُم نارُ الأَنْيارِ يُسقونَ من عُصارةِ أَهْلِ النَّارِ طينةَ الخبالِ.

فهكذا يخزي الله سبحانه وتعالى المتكبرين المتعالين يوم القيامة، يحشرهم الله سبحانه وتعالى كأمثال الذر في صور الناس يطأهم الناس بأقدامهم في غاية من الذلة والهوان وكانوا في الدنيا من المتكبرين المتعالين، من المتكبرين على أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، يردون الحق إذا جاء إليهم، ويغمطون الناس يحتقرون الناس فأذلهم الله سبحانه وتعالى وأخزاهم في ذلك اليوم، يحشرهم الله عز وجل كأمثال الذر في صور الناس ويسجنون في نار جهنم العياذ بالله، ويعلوهم كل شيء من الصغار، ويسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار كما أخبرنا بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.


وهكذا معشر المسلمين : إن من جملة المخزيين يوم القيامة من كان يتعامل مع الناس بالغدر والمكر، لا يتعامل معهم بالصدق وإنما يتعامل مع الناس بالغدر والمكر والخيانة والعياذ بالله فإنه من المخزيين في ذلك اليوم يوم يجمع الله سبحانه وتعالى الأولين والآخرين، في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لكل غادر لواء يعرف به، وفي رواية أبي سعيد في مسلم عند استه، أي في دبره، من جهة خلفه تنصب له راية عظيمة هذه غدرة فلان بن فلان، يخزى في ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين، هذه غدرة فلان بن فلان ترفع له راية من دبره خافقة في السماء ينظر إليها الناس وفيها هذه غدرة فلان بن فلان، يخزيه رب العالمين سبحانه وتعالى، تعامل مع الناس بالصدق والأمانة والنصح لا تكون غادرا خائنا ماكرا لعباد الله المؤمنين فيخزيك الله سبحانه وتعالى يوم القيامة .


ومن جملة المخزيين يوم القيامة : من تعامل مع الناس بالظلم يأخذ حقوقهم، ويظلم الناس في أموالهم وفي أراضيهم فهذا مخزي يوم القيامة، الظالمون مخزيون، جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام قال :" من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه إلى سبع أ أراضين، وفي الصحيحين عن ابن عمر قال عليه الصلاة والسلام :" من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به إلى سبع أراضين، يخسف به يوم القيامة إلى سبع أراضين، يخزى في ذلك اليوم، وفي المسند من حديث يعلى بن مرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى أرض المحشر، في خزي عظيم في ذلك اليوم والناس ينظرون إليه وهو في هذا الخزي والعياذ بالله، الذي يأخذ أموال الناس بالظلم من المخزيين، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الغلول وعظم من شأنه ثم قال:"لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ يقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، أي أنه أخذ الرقيق بغير حق، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، أي أخذها بغير حقها، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، أي ذهب أو فضة أو هذه العمولات الموجودة في هذه الأزمان وعلى رقبته صامت فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ.

هؤلاء مخزيون الذين يأخذون حقوق الناس بغير حق، يأخذون أموال الناس بغير حق مخزيون يوم القيامة، مخزيون في ذلك اليوم العظيم الذي يجمع الله سبحانه وتعالى فيه الأولين والآخرين، فيا عبد الله لا تكن من هؤلاء كن متقيا لله عز وجل فالدنيا ليست بدار استقرار أنت فيها من المسافرين، سوف تنتقل منها اليوم أو في الغد أو بعد الغد إنما أنت مبتلى فيها ومختبر ليبلوكم أيكم أحسن عملا، ليبلوكم أيكم أحسن عملا فأحسنوا العمل حتى يحسن الله سبحانه لكم الثواب، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يخزنا في ذلك اليوم العظيم، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور رحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك، اللهم ارحمنا برحمتك واغفر لنا ذنوبنا كلها دقا وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم يسر على المعسرين واقضي الدين عن المدينين، وعافي مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، والحمد لله رب العالمين.


فرعها أبو عبد الله زياد المليكي حفظه الله


جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي