إقامة الدليل على إنكار بعض الصور الخاطئة في المحبة والتبجيل 13 ربيع الأول 1447هـ 2025-09-06 13:47:32
خطبة جمعة بعنوان إقامة الدليل على إنكار بعض الصور الخاطئة في المحبة والتبجيل
لشيخنا الفاضل أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ١٣ ربيع الأول ١٤٤٧ه
مسجد السنة إب اليمن حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[ آل عمران : 102] .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[ النساء : 1 ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب : 70 ،71].
أما بعد : فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)}[الزمر:67].
قال:{ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)}[الحج:74].
وقال نوح عليه الصلاة والسلام لقومه : {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)}[نوح:13،14].
فتوقير الله عز وجل وتبجيله من الواجبات العظام، وهكذا محبة الله سبحانه وتعالى من الواجبات العظام، ولا يصح إيمان العبد إلا بمحبته لله عز وجل، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، كما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال :" ثلاث من كن فيه وجد به حلاوة والإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فمحبة الله عز وجل من أوجب الواجبات ولا يصح الإيمان إلا بها، وتعظيم الله وتبجيله من أعظم الواجبات ولا يصح الإيمان والإسلام إلا بذلك،{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}[البقرة:165].
قال:{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}[التوبة:24].
محبة الله وإجلال الله وتعظيمه من أوجب الواجبات، غير أن هناك من الناس من أخطأ في محبته لله عز وجل وأخطأ، في تبجيله لله عز وجل، فأحب الله سبحانه وتعالى محبة فاسدة وعظم الله سبحانه وتعالى تعظيماً فاسداً لا يليق به سبحانه وتعالى، تعظيم الله يكون بعبادته بطاعته بالاستقامة على شرعه، بتنزيه عما لا يليق به بوصفه بصفات الكمال التي اتصف الله سبحانه وتعالى بها في كتابه وفي صحيح سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، بهذا يعظم الله عز وجل، لا يعظم الله سبحانه وتعالى بما حرم ونهى عن ذلك، هناك من أراد إظهار محبة الله عز وجل بأشياء لا تليق بالله عز وجل، فهنالك من جعل الشفعاء والوسطاء بينه وبين ربه عز وجل بزعم التعظيم والتوقير لرب للعالمين سبحانه وتعالى، جعل الوسطاء ويقول لا يليق بي أن أسأل الله سبحانه وتعالى مباشرة وأن اتجه إليه مباشرة مقام الله عظيم مقام الله رفيع أجعل بيني وبينه وسطاء وشفعاء يتوسطوا لي في حاجاتي عند ربي سبحانه وتعالى، وهذا هو دين المشركين، قال سبحانه وتعالى :{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}[يونس:18].
وقال:{نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ}[الزمر:3].
فجعلوا لهم شفعاء ووسطاء يتقربون بهم إلى الله عز وجل فنهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك، وبين أن ذلك لا يليق به، وأرسل الرسل لمحاربة ذلك، وأنزل الكتب لمحاربة ذلك، فهذا إجلال وتعظيم في غير موضعه، بل هو تنقص عظيم في حق رب العالمين سبحانه وتعالى، فشأن الله ليس كشأن ملوك الدنيا، ملوك الدنيا يحتاج الشخص إلى أراد أن يصل إليهم يحتاج إلى شفعاء ويحتاج إلى وسطاء، أما شأن الله سبحانه وتعالى فهو أعظم من ذلك، ليس بينك وبينه وسطاء يرفعون حاجاتك إليه وحده لا شريك له بل اتجه مباشرة إلى ربك سبحانه وتعالى، الملك من ملوك الدنيا له وسطاء وشفعاء وذلك لأن حال ملوك الدنيا بخلاف حال الملك القهار وحده لا شريك له، فالملك من ملوك الدنيا لا يطلع على أحوال الرعية فيأتي وسطاءه وشفعاءه يخبرونه بأخبار رعيته وما يحتاجون إلى ذلك، أما رب العالمين سبحانه وتعالى فهو بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو العليم الخبير المطلع على كل شيء يسمع ضجيج الأصوات على اختلاف اللغات في جميع الأوقات لا يشغله سمع عن سمع ولا يتضجر من كثرة الإلحاح وحده لا شريك له، فهو بكل شيء عليم، أما الملك من ملوك الدنيا فإنه يجهل أحوال الرعية فيحتاج إلى أناس يبلغونه أخبار رعيته، والملك من ملوك الدنيا لا يستطيع أن يدير أمر مملكته إلا بأعوانه، أما الله سبحانه وتعالى فهو على كل شيء قدير، هو مستغني عن خلقه وحده لا شريك له يدبر الكون وحده لا شريك له، ليس له معين ولا ظهير ولا شريك وحده لا شريك له، فهو الغني عن خلقه يدبر الأمر وحده لا شريك له، وهكذا الملك من ملوك الدنيا ربما ليس في قلبه رحمة على الناس وعلى الرعية فيأتي الشفعاء والوسطاء يحركون في قلبه الرحمة على الناس حتى يسعى في مصالحهم ويقوم بشؤونهم والله سبحانه وتعالى أرحم بنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا فلهذا كان غنيا سبحانه وتعالى عن الأعوان، غنياً عن الشفعاء، غنياً عن الوسطاء، فالذي يتخذ له وسيطاً وشفيعاً يريد بذلك أن يجل ربه سبحانه وتعالى وأن يعظمه فهذا تعظيم فاسد وهذا غاية التنقص بالله عز وجل حيث خص الخالق العظيم بالمخلوق الضعيف، فهذا تعظيم وتبجيل في غير موضعه، وهكذا هناك من الناس من يريد أن يظهر محبته لله عز وجل لكن بطريق فاسد لا يشرع ولا يجوز، كأصحاب الفناء في توحيد الربوبية الذين يزعمون أنهم إذا بلغوا إلى مرتبة الفناء في توحيد الربوبية شاهدوا أفعال الله عز وجل في الكون فيتساوى عندهم المؤمن والكافر، ويتساوى عندهم البر والفاجر، وتتساوى عندهم الأعمال الصالحة والأعمال الفاسدة، فالكفر والإيمان عندهم شيء واحد لأن كل ذلك بقضاء الله وقدره فيما يزعمون ويرون أن هذه المنزلة هي أرفع منزلة من منازل المحبة والعياذ بالله، وهذا هو عين الكفر والشرك والضلال، عين الكفر والإلحاد برب العالمين سبحانه وتعالى، فهذه المنزلة منزلة سافلة ومنزلة ساقطة، منزلة تجعلك لا تفرق بين مؤمن وكافر ولا بين إيمان وكفر ولا بين طاعة ومعصية فرأ الكل سواء فهذه المنزلة من أبعد المنازل عن رب العالمين سبحانه وتعالى، وهناك من يريد أن يظهر محبته لله عز وجل بالأغاني والمعازف والطبول، يذكر ربه سبحانه وتعالى بكلمات فيها ثناء على الله عز وجل مصحوبة بالألحان المطربة وبآلات اللهو والطرب ويريد أن يظهر محبته لله عز وجل بذلك، لا يُحَب الله سبحانه وتعالى بمعصيته، لا يحب الله سبحانه وتعالى بمخالفة شرعه، هذا هو دين المشركين وليس هو دين المسلمين، قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ}[الأنفال:35].
يتقربون إلى رب العالمين سبحانه وتعالى في طوافهم عند البيت بالمكاء والتصديه بالتصفيق والتصفير، فلا يتقرب إلى الله عز وجل بالباطل، ولا يظهر العبد محبته لله سبحانه وتعالى بأمر باطل لا يجوز، فإن محبة الله سبحانه وتعالى بموافقته في أمره واتباع شرعه والاستقامة على دينه وحده لا شريك له، وكان من كفار قريش من يريد أن يظهر تبجيل الله سبحانه وتعالى وتعظيمه بكشف العورات والعياذ بالله، فكان الواحد منهم إذا أراد أن يطوف حول البيت يقول أجل الله عز وجل وأعظم الله من أن أطوف حول بيته بثياب قد عصيت الله بها، فكانوا يكشفون العورات ويطوفون حول البيت ويزعمون أنهم بذلك يعظمون رب العالمين سبحانه وتعالى ويجلونه من أجل أن يطفوا حول بيته بثياب قد عصوا الله عز وجل فيها وكل هذا من تزين الشيطان لهم، وإذا فعلوا فاحشة والمراد بذلك كشف العورات {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}[الأعراف:28].
إن أردت أن تجل الله وأن تظهر محبتك لله عز وجل فليكن بما شرع، فليكن بما شرع في كتابه وبما شرع في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام بهذا تجل ربك عز وجل، وبهذا تكون محباً صادقاً لرب العالمين سبحانه وتعالى، أما الباطل فهو باطل، الباطل فهو باطل وكلما ازدت منه ازدت بعدا عن الله وازدت بغضاً عند ربك عز وجل.
وهكذا من المحبة النافعة المفيدة محبة القرآن، محبة القرآن ومحبة القرآن من المحبة الواجبة، يجب على كل مسلم أن يحب كتاب الله عز وجل، وأن يعظم كلام الله سبحانه وتعالى، فهو أعظم كلام أعظم كتاب أنزله الله:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ }[الزمر:23].
فكتاب الله سبحانه وتعالى هو أعظم الكتب، محبة القرآن محبة واجبة لكن كيف تحب القرآن وكيف تعظم القرآن وكيف تحب القرآن بقلبك بأن تقرأ القرآن في ليلك وفي نهارك، تقرأ القرآن في صلواتك بأن تفهم ما أراد الله منك في كتابه، تقرأ وأنت تعي ما تقرأ، وتفهم ما تقرأ، وهكذا تقرأ القرآن وتعمل به على نية العمل والاستقامة مع كتاب الله عز وجل، إن وجدت أمراً في القرآن فاسقم عليه وإن وجدت نهياً فابتعد عن ذلك، تحاكم إلى كتاب الله عز وجل، واستشفي به ولا تكن هاجراً للقرآن، بهذا تعظم القرآن وتحقق المحبة الصادقة لكتاب الله عز وجل، هناك من الناس من هو معرض عن كتاب الله عز وجل، كتاب الله في جانب وهو في جانب لا يتحاكم إليه، ولا يستقم عليه، ولا يتعظ بمواعظه، ولا يهتدي بما فيه من الهدى، في بعد ساحق عن كتاب الله عز وجل ويريد أن يظهر تعظيمه للقرآن وتبجيله للقرآن بما لم ترد به الشريعة الإسلامية، هناك من الناس من إذا أخذ المصحف قام بتقبيله وبوضعه فوق رأسه ويظن أنه بهذا قد عظم القرآن وأظهر محبته للقرآن ويكتفي بذلك ولم يكن هذا من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، نبينا عليه الصلاة والسلام أعظم محبة لكتاب الله منا فعليه أنزل، وهكذا الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين في قلوبهم المحبة العظيمة لكتاب الله عز وجل وما كانوا هكذا يفعلون، أحبوا القرآن بقلوبهم واستقاموا عليه واهتدوا بهديه واتعظوا بمواعظه واسشفوا به وتحاكموا إليه فحققوا المحبة الصادقة والتعظيم الصادق لكتاب الله عز وجل، وهناك من الناس من يكتفي بهذا الفعل ويظن أنه قد أظهر التعظيم والمحبة لكتاب الله عز وجل وليس لذلك أصل ولا مستند من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا من فعل الصحابة الكرام، وهناك من يريد أن يظهر محبته وتعظيمه لكتاب الله عز وجل بتزيينه وبزخرفته أنواع الزخارف والزينة ويظن أنه كلما أتقن في زخرفته وفي تزيينه أنه قد بالغ في محبته لكتاب الله عز وجل وهذا من الخطأ الذي يقع فيه جهال الناس، تعظيم القرآن ومحبة القرآن بتلاوته وبالعمل به، جاء فيه مصنف عبد الرزاق وفي مصنف بن أبي شيبة وعند غيرهما بإسناد صحيح أن عبد الله مسعود رضي الله عنه مر بمصحف قد زين بالذهب فقال رضي الله عنه: أحسن ما يزين القرآن تلاوته بالحق، هذا أحسن ما يزين به القرآن، زينوا القرآن بأصواتكم أي بتلاوته، اتل كتاب الله عز وجل هذا أحسن ما يزين به القرآن، أما الزخرفة والزينة ليس هذا من تعظيم كتاب الله عز وجل، لكنه من صد الشيطان كثير من الناس عن الخير بأن يوجههم إلى هذا الأمر ويصدهم عن التعظيم الحقيقي لكتاب الله وعن المحبة الحقيقية لكتاب الله عز وجل، فعلينا أن نحب القرآن محبة صادقة، وأن نعظم كتاب الله عز وجل التعظيم الصادق بقراءته والاستشفاء به والاتعاظ بمواعظه والعمل به والتحاكم إليه إن كنا كذلك فإننا قد حققنا التعظيم والمحبة لكتاب الله عز وجل .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: اعلموا معاشر المسلمين أن من المحبة الواجبة محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل :{النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}[الأحزاب:6].
وفي مسلم من حديث جابر قال عليه الصلاة والسلام :" أنا أولى بكل مسلم من نفسه.
وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام :" ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرأوا إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وهكذا ثبت الصحيحين من حديث أنس قال عليه الصلاة والسلام :" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.
فمحبة النبي عليه الصلاة والسلام محبة واجبة وفرض مؤكد، ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام تكون بمتابعته والاستقامة على سنته والتشبه به والاقتداء به ظاهراً وباطناً والأخذ بهديه وبسنته، بهذا يحقق العبد المحبة الصادقة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن كان العبد كذلك فهو المحب، وإن كان كذلك فهو المجل والمعظم لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تكون المحبة بمعصيته عليه الصلاة والسلام ومخالفة شرعه ودينه فليست هذه محبة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تعظيم لرسول الله عليه الصلاة والسلام.
ومن المحبة الواجبة محبة الوالدين وتبجيل الوالدين وتعظيم الوالدين، قال الله سبحانه وتعالى:{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}[الإسراء:23،24].
فمحبة الوالدين وتعظيم الوالدين وتبجيل الوالدين مما يجب في شريعة الإسلام، لكن هناك من الناس من أراد أن يظهر محبة الوالدين وتعظيم الوالدين بخلاف ما أمر الله به وما أمر به رسوله عليه الصلاة والسلام، هناك من الناس من يكتفي بتقبيل ركبة والديه أو قدم والديه ويرى أنه قد أظهر محبته لوالديه بهذا الفعل وأنه بالغ في تعظيم الوالدين وفي تبجيل الوالدين بهذا الفعل مع أن هذا الفعل مخالف للأدلة، فقد جاء في المسند وفي غيره أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا رسول الله يلقى أحدنا أخاه أفينحني له؟ قال: لا وذلك أن الإنحناء نوع ركوع ونوع سجود وهذا لا يكون إلا لله عز وجل، إن قبلت والدك في رأسه لا بأس بذلك، أو في يده لا بأس بذلك، أما أن تنحني إلى ركبته أو إلى قدمه فإن هذا الانحناء نوع سجود ونوع ركوع وهذا لا يكون إلا لله عز وجل، فالركوع والسجود لله يعظم به العبد ربه وحده لا شرك له ولا يعظم به مخلوقاً مهما ارتفعت مكانته وعالت منزلته، وهناك من يفعل هذا بوالده وهو من أبعد الناس عن بر الوالدين وعن الإحسان إليهما، نعم يسيء إلى والده في ليلة وفي نهاره وإذا جاءت يوم الجمعة فعل هذا بوالده وظن أنه قد أدى الحق الذي عليه، وقد احترم والده وأجله وقدره بهذا الفعل وهذا من الخطأ، بر الوالدين أن تحسن إليهما بكل ما تستطيع من أنواع الإحسان، وتبعد عنهما كل أذى تقدر على إبعاده فهكذا يكون البر بالوالدين، تتكلم مع والديك بالكلام الحسن الجميل، تخفض جناحك لوالديك،{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}[الإسراء:24].
تتأدب مع والديك في منطقك في جميع أحوالك فهذا هو البر بالوالدين، وهكذا هناك من يبالغ في إظهار بر الوالدين فيما يدعي حتى يقع في معصية الله عز وجل، يأمره والداه بمعصية الله فيعصي ربه سبحانه وتعالى ويقول من أجل البر بوالدي، تعصي ربك من أجل أن تبر بوالديك هذا هو الخطأ العظيم، طاعة الله أوجب ومقام الله أعظم وحق الله أوجب من حق الوالدين، وفي الصحيحين من حديث علي قال النبي عليه الصلاة:" إنما الطاعة بالمعروف، وقال الله :{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)}[لقمان:15].
بهذا يأمرك ربك سبحانه وتعالى، أطع والديك في غير معصية الله عز وجل، فإن أمراك بمعصية الله فلا طاعة في معصية الله وإنما الطاعة لله عز وجل .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين وأن يهدنا إلى الصراط المستقيم، اللهم اغفر لنا ذلوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم الطف بالبلاد والعباد، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم أمنا في أوطاننا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك، اللهم يسر على المعسرين واقضي الدين عن المدينين، وعافي مبتلى المسلمين واشف مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليه من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.
فرعها أبو عبد الله زياد المليكي حفظه الله