الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /زواجر الأقوال عن فتنة الجوال 7 صفر 1447هـ
زواجر الأقوال عن فتنة الجوال 7 صفر 1447هـ 2025-08-02 14:57:08


خطبة جمعة بعنوان زواجر الأقوال عن فتنة الجوال 

لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه 

سجلت بتاريخ ٧صفر ١٤٤٧ه‍

مسجد السنة الأكمة إب اليمن حفظها الله وسائر بلاد المسلمين 


إن الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه .


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[ آل عمران : 102] .


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًاكَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[ النساء : 1 ]


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب : 70 ،71].


أما بعد :  فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.


جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ ، وجَلِيسِ السُّوءِ ، كَحامِلِ المِسْكِ ، ونافِخِ الكِيرِ ، فَحامِلُ المِسْكِ ، إِمَّا أنْ يَحْذِيَكَ ، وإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، ونافِخُ الكِيرِ ، إِمَّا أنْ يَحْرِقَ ثَيابَكَ ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبيثَةً.

فضرب نبينا عليه الصلاة والسلام هذا المثل بالجليس الصالح وبجليس السوم، فالجليس الصالح تنتفع بمجالسته على جميع الأحوال وفي جميع الحالات وفي جميع الأوقات، كحامل المسك إما أن يحذيك يعطيك شيئا من المسك أو أنك تشتري منه إن لم يعطيك عطية فإنك تشتري منه المسك وهو أطيب الطيب، وإن لم يكن هذا ولا ذاك أقل ما يكون أن تجد منه الريح الطيبة، فالجليس الصالح تجد منه الكلام الطيب، تجد منه المعاملة الطيبة، تجد منه النصيحة الطيبة الحسنة، وأما جليس السوء فإنك في جميع أحوالك تتضرر به، إما أن يحرق عليك ثيابك وهو كنافح الكير، إما أن يحرق عليك ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة، فالجليس السيء أقل ما تنال منه الكلام الفاحش والكلام البذيء والكلام القبيح إن لم يدخل عليك الضرر في دينك وفي عملك الصالح وفي العمل للدار الآخرة، أقل ما يكون أن تسمع منه الكلام السيء القبيح، فليختر الشخص من يجالس ولينظر من يجالس، ومن هذا القبيل ومما نحن فيه من المجالسة المعنوية مجالسة الجوال، فالجوال جليس معنوي وإن لم يكن من البشر لكنه جليس ملازم للشخص ربما أعظم من ملازمة الجليس من البشر ومن ملازمة الصاحب والصديق، فهذا الجوال إذا لم يتقِ العبد فيه ربه عز وجل فإنه يضره، يضر في دينه، ويضره في دنياه، و تفسد عليه أحواله بسببه والعياذ بالله، فليكن معك كالجليس الصالح ولا يكن معك كجليس السوء الذي تتضرر به، فكم هلك من أناس في دينهم وفي دنياهم بسبب هذه الجوالات حين استعملوها استعمالاً غير صحيح، فأفسدت عليهم أخلاقهم، وأفسدت عليهم دينهم، وهناك أيضا من ضيع دنياه بسبب هذه الجوالات إنشغل بها عما يحتاج إليه حتى من أمر الدنيا، فلم تصلح له آخرته ولا دنياه والعياذ بالله، فلا يكون جليسا سيئا لك واتقِ الله سبحانه وتعالى في استعماله، هذا الجوال فتن به كثير من الناس فتنة عظيمة لا نظير لها، فتنة عظيمة لا نظير لها وانشغل به كثير من الناس في ليلهم وفي نهارهم، وانفتحت لكثير من الناس الشهوات المحرمة، بعد أن كانت بعيدة عنهم قربت إليهم الشهوات المحرمة فاتجه كثير من الناس إلى ما حرم الله عز وجل، وقليل من الناس من يتقي ربه سبحانه وتعالى في جواله، والله سبحانه وتعالى يقول :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)}[المائدة:94].

ابتلَ الله سبحانه وتعالى المؤمنين بتقريب الصيد إليهم وهم حرم، والصيد محرم على المحرم فقرب الله عز وجل عليهم هذا الشيء الذي حرم لهم من باب الابتلاء والامتحان، وأنت يا عبد الله قربت إليك الشهوات المحرمة بهذا الجوال ليبلوك الله عز وجل هل تتقيه بالغيب أو لا، ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب، فهل أنت ممن يخاف ربه سبحانه وتعالى بالغيب أو لا ؟ فاتق الله عز وجل، قربت كثير من المحرمات ومن الشهوات المحرمة عبر هذه الأجهزة فزل فيها أكثر الناس ولم يسلم من ذلك إلا القليل ممن سلمه الله عز وجل وكان متقيا لربه سبحانه وتعالى، هذه الجوالات إذا لم يتق العبد فيها ربه فإنها من أسباب انتهاك المحرمات، من أسباب الوقوع في الرذائل، من أسباب الوقوع في كل شر وبلية ومنكر، فكم يعص العبد ربه سبحانه وتعالى في خلواته بسبب هذا الجهاز الذي كان جليس سوء له ولم يكن جليس خير له، كم من معاصي لله عز وجل في الخلوات ومعاصي الله عز وجل من أسباب إحباط الأعمال الصالحات، جاء عند ابن ماجة من حديث ثوبان رضي الله عنه، قال النبي عليه الصلاة والسلام :" لأعلمن أقوام من أمتي يأتون يوم القيامة لهم حسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، حسنات أمثال جبال تهامة بيضاء وصفها النبي عليه الصلاة والسلام أو شبهها في جبال تهامة أي أنها أعمال صالحة كثيرة جدا، كثيرة جداً من صلاة ومن صيام ومن ذكر ومن قراءة للقرآن ومن غير ذلك من الأعمال الصالحة الكثيرة الكثيرة جداً فهي أمثال جبال تهامة، وهي أيضاً كما أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام بأنها بيضاء أي أنها أعمال صالحة صحيحة أخلصوا فيها لله عز وجل وكانت على وفق سنة النبي عليه الصلاة والسلام ليست بسوداء، لم تسود بالشرك والبدعة وإنما هي بيضاء أخلصوا فيها لله عز وجل وعملوا فيها على وفق سنة النبي عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: يجعلها الله هباء منثورا، أي أن الله عز وجل يحبط تلك الأعمان الكثيرة، لما سمع ثوبان هذا من النبي اعليه الصلاة والسلام فقال : يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا ألا نكن منهم ونحن لا نشعر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ألا إنهم من إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، هذا البلاء الذي حصل لهم، هم من إخوانكم ليسوا من المنافقين هم أهل الإيمان إنما المؤمنون إخوة، فهم من إخوانكم وهم من جلدتكم أي من أنفسكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون قوام لليل يصلون لله عز وجل في الليل ويتهجدون ويعبدون الله عز وجل بالليل فما هي المصيبة التي نزلت بهم وما هو البلاء الذي حل بهم ؟ قال عليه الصلاة والسلام: لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، أي لم يراقبوا الله عز وجل في الخلوات،{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}[النساء:108].

لا تجعل ربك أهون الناظرين إليك تستحي من الصغير والكبير ولا تستحي من رب العالمين سبحانه وتعالى، لا تجعل الله عز وجل أهون الناظرين إليك، هؤلاء عاقبهم الله عز وجل بهذه العقوبة الشديدة أحبط الله سبحانه وتعالى أعمالهم الكثيرة الكثيرة جدا والبيضاء جعلهم الله عز وجل هباء منثورا، فاتق الله عز وجل في خلواتك لا يدمرك هذا الجوال، لا يدمرك هذا الجوال واتق الله إن لم تتمكن من نفسك وعلمت ضعفك فابتعد عنه بالكلية، إذا تعلم من نفسك أنك غير متقي الله عز وجل وأن هذا الجوال يوقعك في المهالك والمرديات، يوقعك في معصية الله عز وجل لا خير فيه، نبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا من مضى من الأنبياء والصالحين إذا شغلهم شيء من المباح عن الله عز وجل ابتعدوا عنه، فكيف إذا أوقع ذلك الشيء العبد في معصية الله عز وجل، في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن نبينا صلى الله عليه وسلم أهدى إليه أبو جهم بخميصة فيها أعلام أي أنها مزينة فصلى النبي عليه الصلاة والسلام فوقعت له نظرة إلى أعلامها وهو في صلاته فلما انتهى من صلاته قال : اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي، ألهتني آنفا عن صلاتي لما حصل هذا اللهو اليسير ألهته لهوا يسيرا عن صلاته أزالها وابتعد عنها بالكلية وردها إلى صاحبها وطلب غيرها مما لا يلهيهه فقال : اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي.

وهكذا جاء في المسند وفي غيره أن نبينا صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما ولبسه وكان جالسا بين أصحابه فكان نظر إليه ونظر إليهم فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام ورمى به وقال : لقد شغلني هذا عنكم منذ اليوم نظر إليه ونظر إليكم، فلما ألهاه خاتمه نبذه ورمى به عليه الصلاة والسلام.

وهكذا نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام قال الله عز وجل عنه :{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)}[ص:32،33].

وكان يحب الخيل عليه الصلاة والسلام ويجاهد في سبيل الله، فعرضت عليه الخيل بعد العصر فكان ينظر إليها وهو يحب الخيل ويشاهد عدوها وسيرها وانشغل بها ونسي صلاة العصر حتى غربت الشمس وما تذكر صلاة العصر إلا وقد غربت الشمس ولم يترك العصر متعمداً وإنما أصابه النسيان لانشغاله بأمر الخيل والنظر إليها، فلما حصل له هذا الأمر من الخيل قام بقتلها لأنها أشغلته عن ذكر الله عز وجل، {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)} أزالها من ملكه وقام بعقرها وقتلها، وهذا الجوال قتل أوقات كثيرا من الناس، وضيع أوقات كثيرا من الناس، وأوقع كثيرا من الناس في الشهوات المحرمة، وفي أنواع من الباطل والمنكر، وفي أنواع من الضلال والانحراف والعياذ بالله، كم من شخصا ارتد عن الإسلام بسبب الجوال لأنه صار ينتقل إلى مواقع مردية مهلكة ويسمع الشبهات من أعداء الإسلام فإذا به ينتقل إلى الزندقة والكفر والإلحاد والعياذ بالله، ما من وقت إلى وقت آخر إلا ونسمع من هؤلاء أناس كثر نسمع أناس كثر من هؤلاء ممن تزندق وخرج عن الإسلام بالكلية، وكم من شخص يضل مع أهل الأهواء والبدع والضلالات لأنه انتقل بصره إلى مواقعهم وصار ينظر ويقرأ لشبهاتهم ولضلالاتهم وانحرافهم فإذا به ينحرف مع المنحرفين، وكم من شخص فسدت أخلاقه وفسد دينه واتجه إلى الشهوات المحرمة، اتجه إلى الزنا وإلى اللواط وإلى غير ذلك من المنكرات بسبب المواقع الإباحية والعياذ بالله، وكم من شخص ضيع أسرته وانشغل بهذا الجوال عن التكسب لأهله ولأولاده، دمر هذا الجوال دمر كثيرا من الناس إلا من رحم الله عز وجل، فاتق الله سبحانه وتعالى، اتق الله فيه وليكن جليسا نافعاً لك، استعمله فيما حل الله لك وفي مرضات الله عز وجل، الجوال نعمة من نعم الله عز وجل إن استعملته في الخير، وهو نقمة وعذاب إن استعملته في الشر فاتق الله سبحانه وتعالى فيه، وراقب ربك سبحانه وتعالى فيه، وأقبل على الخير وعلى طاعة الله ولا يهلكك هذا الجوال والعياذ بالله.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يدفع عنا وعلى المسلمين كل سوء ومكروه وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد: فيقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}[الحجر:72]. ومن جملة السكارى سكرا معنويا من بلي بالجوال، فهنالك من الناس من بلي فيه بلاء شديدا حتى صار كالسكران والعياذ بالله، تكلمه وكأنه لا يشعر بكلامك، لا يشعر بمن حوله، لا يشعر بأهله، ولا يشعر بأولاده، ولا يشعر بجيرانه، ولا يشعر بأصحابه في سكرة شديدة والعياذ بالله، لا يريد أن يتحدث مع أحد لا يريد أن ينظر إلى أحد، لا يريد أن يجالس أحدا في سكرة عظيمة والعياذ بالله، كم من أناس شغلهم ذلك عن طاعة الله وعن ذكر الله وعن قراءة القرآن وعن الصلاة المفروضة المكتوبة، ضيعت الصلوات بالكلية وإن كان عند العبد شيء من التقوى إذا به يضيع صلاة الجماعة في بيوت الله عز وجل بسبب هذا الجوال، والله سبحانه وتعالى يقول:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)}[المائدة:91].

فهذا مما يدعو إليه الشيطان أن يصدك يا عبد الله عن ذكر الله وعن الصلاة، كيف تذكر الله عز وجل وأنت منشغل بهذا الجوال في ليلك وفي نهارك وفي جميع أوقاتك، كيف تقرأ القرآن، كيف تسبح رب العالمين، كيف تذكر ربك عز وجل، كيف تحافظ على الصلوات في بيوت الله عز وجل، إن صليت فإنك تصلي وقلبك مشغول بما فيه والعياذ بالله، هذا حال كثير من الناس إلا من رحم الله عز وجل، عكوف على الجوالات عكوفا شديدا وهذا أشد مما جاء عن علي رضي الله عنه فيما رواه البيهقي في سننه الكبرى أنه مر على أناس منشغلون بالشطرنج يلعبون ومنشغلون وعاكفون على الشطرنج فخاطبهم وقال لهم علي رضي الله عنه : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون، وهذا أشد حال كثير من الناس أشد من حال أولئك الذين مر عليهم علي رضي الله عنهم عكوف على الشطرنج، فهذا حال كثير من الناس سهر في الليالي إلى الفجر ونوم في النهار، نوم في النهار وسهر في الليل، ومن الناس من يسهر في الشوارع وفي الطرقات وعند القمائم وفي الأوقات الباردة إذا به في الشوارع يلتمس البث من هنا ومن هناك، أمور عجيبة يتحمل البرد ويتحمل المشقة والآلام والشدائد من أجل البث ومن أجل الجوال وأن يراسل وأن يشاهد كذا وكذا، بلاء عجيب وأمر عجيب في أحوال الناس ولم ينجوا من ذلك إلا من نجاه الله عز وجل، كم من ضياع للأسر بسبب الجوال وانشغال عن الأهل والأولاد لا يبالي لا بأهله ولا بأولاده، أهله في موضع وهو في موضع وأولاده في موضع لا يبالي بأحد جليسه الجوال والعياذ بالله، جاء في البخاري من حديث أبي جحيفة أن سلمان الفارسي زار أبا الدرداء وكان منشغلا بالعبادة لم يكن منشغلا بالجوال وإنما منشغل بالعبادة بالصوم وبالصلاة فجاء إليه سلمان يزوره فقدم إليه طعاما فقال له سلمان: كل قال أنا صائم قال والله لا أكل حتى تأكل فأكل معه، ثم نام جميعا فأراد أبو الدرداء أن يستيقظ أن يقوم لصلاة الليل فقال له سلمان نم ثم أراد أن يستيقظ فقال له سلمان نم ثم لما جاء الثلث الأخير قال له الآن قم فصلي فقام فصليا ثم قال سلمان لأبو الدرداء رضي الله عنهما : إنا لربك عليك حقا، وإنا لنفسك عليك حقا، وإنا لأهلك عليك حقا، فآتي كل ذي حق حقه، ثم ذهبا أبو الدرداء إلى النبي عليه الصلاة وذكر له ما قال سلمان فقال النبي عليه الصلاة وسلم : صدق سلمان، أبو الدرداء كان منشغلا بالخير والعبادة ومقصرا في بعض الحقوق فأنكر عليه ذلك، فكيف بمن ينشغل بما حرم الله عز وجل، بالمسلسلات الفاحشة، وبالقنوات الإباحية، وغير ذلك من الباطل ينشغل بذلك عن أهله وعن أولاده وعن من ولاه الله سبحانه وتعالى أمرهم، ينشغل عن الجميع وينعكف وراء الجوال والعياذ بالله، ونحو ذلك جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟ قال؛ بلى يا رسول الله، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: لا تفعل إن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا أي لضيفك، جسدك له حق عليك، وعينك لها حق عليك، دمّرت الأعين بسبب الجوال، الولد ربما من السن المبكرة وإذا به قد ركب نظارات النظر، من سن مبكرة دمّرت الأعين في هذه الجوالات والعياذ بالله، فعلينا أن نتق الله عز وجل، لا نحرم ما أحل الله عز وجل الجوال من نعم الله سبحانه وتعالى إن استعمل في الخير وفي المباح، وإنما نحذر من الشر الذي وقع فيه كثير من الناس وابتلي به كثير من الناس ولم ينجو منه كثير من الناس.


نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا في بلاد غزة، كن لهم ناصرا ومعينا ومؤيدا وظهيرا انك على كل شيء قدير، اللهم احفظهم بحفظك، اللهم احفظهم بحفظك وأيدهم بتأييدك، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم عليك باعدائهم وأعدائنا من اليهود والنصارى ومن تآمر عليهم إنك على كل شيء قدير، اللهم دمرهم شر تدمير، اللهم دمرهم شر تدمير، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم واكفى المسلمين شرهم إنك على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.


فرغها أبو عبد الله زياد المليكي حفظه الله


جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي