الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /التبشير بما في التقوى من التيسير ٩ صفر ١٤٤٥
التبشير بما في التقوى من التيسير ٩ صفر ١٤٤٥ 2023-08-26 22:07:42


خطبة جمعة بعنوان ( التبشير بما في التقوى من التيسير)

لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه

سجلت بتاريخ ٩صفر١٤٤٥ه‍
مسجد آل عمران القاهرة جمهورية مصر العربية حرسها الله و سائر بلاد المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ (7)}[الليل:5،7].
فبين ربنا سبحانه وتعالى أن من أعطى واتقى أي أعطى ما أمره الله به واتقى ما نهاه الله سبحانه وتعالى عنه، وصدق بالحسنى أي بالجنة، فسنيسره لليسرى أي للخصلة اليسرى، فمن أدى ما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه أعطى ما أمره الله به، وأعظم ما أمر الله به هو توحيد الله سبحانه وتعالى، وبعد ذلك الصلوات المفروضات، وبعد ذلك بقية أركان الإسلام، فإذا أعطى العبد ما أمره الله به واتقى سخط ربه عز وجل وصدق بالحسنى فهو موعود بالتيسير، فسنيسره لليسرى، فأهل التقوى هم أهل التيسير، فمن كان لله عز وجل تقياً يسر الله سبحانه وتعالى له كل خير، لا ينال العبد الخير إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، فهي مفتاح لكل خير، ومغلاق لكل شر، وتقوى الله سبحانه وتعالى إذا ما ذكرت مقرونة بالطاعة المراد بذلك إتقاء المعصية، وإذا ما أطلقت التقوى ولم تقيد بشيء شملت فعل الأوامر والابتعاد عن النواهي والزواجر، فالمتقي لله عز وجل هو الذي يجعل بينه وبين عذاب الله عز وجل وقاية، بفعل أوامره سبحانه وتعالى، والانتهاء عن نواهيه، فهذا هو المتقي لرب العالمين سبحانه وتعالى، فإذا حقق العبد التقوى لله سبحانه وتعالى كان له التيسير من الله عز وجل، وهذا وعد من رب العالمين سبحانه وتعالى، فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، ييسر الله سبحانه وتعالى لك أمورك المتعلقة بالدنيا والمتعلقة بالآخرة، أما المتعلق بالآخرة فإن الله سبحانه وتعالى ييسر لك أمور الطاعات، ويجعلك نشيطا في الخيرات، ويفتح لك أبوابا من أبواب الخير والطاعة، ويزول عنك الكسل فتكون مقداما للخير، مسابقا لمرضاة الله عز وجل، مسارعا لمرضاة الله سبحانه وتعالى، وييسر الله سبحانه وتعالى لك أمور الدنيا فيرزقك الله عز وجل من حيث لا تحتسب، وييسر الله سبحانه وتعالى لك جميع الأمور ويجعل لك المخارج من الشدائد والمحن، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) } إلى أن قال سبحانه وتعالى:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)}[الطلاق:2،5].
فهذه تيسيرات عظيمة ذكرها الله سبحانه وتعالى في حق من اتقاه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، قال سبحانه وتعالى :{ومن يتق الله يجعل له مخرجا} إن كنت تقيا لله عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى يجعل لك المخرج من الشدائد والمحن ومن الكربات ومن أنواع الفتن، والعبد في هذه الحياة الدنيا لابد أن يبتلى،{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}[العنكبوت:1،3].
قال :{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}[البقرة:214].
فلابد من المحنة، ولابد من الفتنة،{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}[البقرة:155،157].
يبتلي الله عز وجل العباد بشيء من الخوف لا بجميعه، ولو ابتلى الله عز وجل العباد بجميع الخوف لهلكوا، ويبتلي الله سبحانه وتعالى العباد بشيء من الجوع ولو ابتلاهم بجميع الجوع لهلكوا، ويبتلي الله سبحانه وتعالى العباد بذهاب بعض الثمرات فينقص لهم الثمار من باب الابتلاء والامتحان ولو أزال عنهم جميع ذلك ربما تضرروا وهلكوا، وهكذا يذهب بعض النسل ولا يذهب جميعه ولو ذهب جميعه لانتهت البشرية، فيبتلي الله سبحانه وتعالى العباد ويرحم الله سبحانه وتعالى العباد في ابتلائه ولا يشدد عليهم في البلاء إلى حد الهلاك، فإن المقصود من الابتلاء أن يرجع العاصي إلى ربه سبحانه وتعالى، وأن يظهر الصابرون والشاكرون والراضون عن ربهم عز وجل، فينالون الدرجات العالية، والمقامات الرفيعة، وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله، نحن جميعا لله عز وجل وفي ملك الله، إنا لله وإنا إليه راجعون ومرجعنا إلى الله عز وجل أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون، فالله عز وجل يبتلي العباد بأنواع الشدائد والمحن، من كان تقي لله عز وجل جعل الله له المخرج من تلك الشدائد والمحن، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث يحتسب، فكم من شدائد تنزل على العبد وتضيق به الحال ويظن أنه من الهالكين فإذا ما رجع العبد إلى ربه سبحانه وتعالى وتاب واستغفر وتذلل وخضع لله عز وجل واستقام على دينه في فعل الأوامر واجتنب النواهي وكان عبدا تقياً لله عز وجل، فإذا بالفرج يأتي من رب العالمين سبحانه وتعالى مهما اشتدت الأمور، فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، وعد من الله عز وجل، فكن عبدا تقياً لله عز وجل يجعل الله سبحانه وتعالى لك المخرج من كل سوء ومكروه فيما يتعلق بأمور الدنيا وشدائدها ومحنها، وفيما يتعلق بأمر الآخرة وأمر الآخرة أعظم، يجعل الله سبحانه وتعالى لك المخرج من عذاب القبور، فينجيك الله سبحانه وتعالى من عذاب القبر، ويجعل الله سبحانه وتعالى لك المخرج من أهوال يوم القيامة حين تدنو الشمس من رؤوس الخلائق مقدار ميل، فيعرق الناس على قدر أعمالهم، وينال الناس من الكربات والشدائد الأمر العظيم في يوم كان مقداره خمسون ألف سنة، يوم واحد بهذا المقدار خمسون ألف سنة، فيجعل الله سبحانه وتعالى لك المخرج من أهوال يوم القيامة ومن شدائدها ومن كرباتها ومن آلامها ومن مخاوفها، ويجعل الله سبحانه وتعالى لك المخرج على الصراط فتنجو ولا تسقط في نار جهنم فينجيك الله سبحانه وتعالى ويجعل لك مخرجا إلى جنته، كل ذلك بتقوى الله عز وجل، فإذا أردت الخير في الدنيا والآخرة فعليك بتقوى الله سبحانه وتعالى، وإنما يؤتى العبد من جهة نفسه، يؤتى العبد من جهة سيئاته لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، تؤتى من جهة ذنوبك، فما نزل بك من الشر والبلاء في الدنيا وفي الآخرة وما تناله من الآلام والأوجاع بسبب معاصيك وذنوبك، فإن كنت تقي لله عز وجل لن تنال إلا الخير والمكرومات من رب العالمين سبحانه وتعالى، ولن تنال إلا السعادة في الدنيا وفي الآخرة وإن ابتليت فلا بد أن تبتلى لكن يجعل الله سبحانه وتعالى لك المخرج من كل ضائقة ومن كل شدة، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، هذا تيسير تيسير في باب الشدائد والمحن، يجعل الله سبحانه وتعالى لك المخرج فهذا تيسير من من تيسير التقوى، فإن الله سبحانه وتعالى جعل التقوى من أسباب التيسير، فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وهكذا قال سبحانه وتعالى:{ ويرزقه من حيث لا يحتسب} تيسيرا في باب الرزق، إن كنت تقيا لله عز وجل، ييسر الله سبحانه وتعالى لك أسباب الرزق، ويأتيك الرزق من مكان لم يكن لك في الحسبان، ربما تضيق عليك الدنيا ويضيق عليك الرزق وتشتد بك الحاجة ثم يأتيك الفرج من الله سبحانه وتعالى ويرزقك من موضع لم يكن لك في الحسبان، السبب في ذلك أنك اتقيت ربك سبحانه وتعالى، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، فتقوى الله سبحانه وتعالى من أسباب تيسير الرزق، ومن أسباب الحياة الحميدة،{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ }
قال:{وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16)}[الجن:16].
وقال سبحانه وتعالى :{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)}[إبراهيم:7].
قال :{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)}[نوح:10،14].
فمن كان تقيا لله عز وجل يسر الله له أمره، جاء عند الحاكم وعند غيره من حديث معقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال:"يا ابنَ آدمَ : تفرَّغْ لعبادتي أملأْ قلبك غنًى ويديك مالا، يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأ قلبك فقرا ويديْكَ شغلاً، من اقترب من الله عز وجل نال الخير. فإن الخير بيده، والخير إليه سبحانه وتعالى،يا ابنَ آدمَ : تفرَّغْ لعبادتي أملأْ قلبك غنًى ويديك مالا، يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأ قلبك فقرا ويديْكَ شغلاً، واذا امتلأ القلب فقرا فإن العبد لا تكفيه الدنيا بما فيها، ومن كان غني القلب كفاه من الدنيا الشيء اليسير، جاء في حديث أنس في الصحيح عن عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:"لَوْ كانَ لاِبْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى وادِيًا ثالِثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ.
هذا حال الإنسان إلا من رحم الله عز وجل، من جعل الله عز وجل في قلبه الفقر لو عنده واد من ذهب أو فضة،
أو لو عنده واديان من ذهب أو فضة لنتمنى ثالثا، ولو عنده الثالث لتمنى الرابع وهكذا، ولا ينقطع عنه الفقر الذي في قلبه حتى يموت، ويُلحد ويكون من أهل القبور فيموت وهو يجد في قلبه الفقر، مهما أعطي من الدنيا يجد الحاجة في قلبه، فالغنى غنى النفس كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيحين:" ليس الغنى عن كثرة العرض أي عن كثرة المال، إنما الغنى غنى النفس، فمن أغنى الله سبحانه تعالى قلبه كفاه، أو من أغنى الله سبحانه وتعالى قلبه كفاه من الدنيا الشيء اليسير، ومن كان فقير القلب فلا تكفيه الدنيا بما فيها، إذاً ربنا سبحانه وتعالى جعل التيسير أهل التقوى في باب الرزق، فقال سبحانه وتعالى :{ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد : قال سبحانه وتعالى:{ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}
ومن يتوكل على الله فهو حسبه: أي كافيه، يكفيك الله سبحانه وتعالى ما أهمك، يكفيك الله سبحانه وتعالى شر الأعداء، يكفيك الله سبحانه وتعالى جميع الشرور، إن الله بالغ أمره، لكن في الأمر في الوقت الذي أراده الله عز وجل، فلا تكن مستعجلا إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا، فإن هناك من الناس من يتقي الله عز وجل ومن يتوكل عليه سبحانه وتعالى ثم يستبطئ الفرج يجد الشدائد من كل مكان، فينظر في نفسه ويرى من نفسه الإقبال على الطاعة والابتعاد عن المعصية، يرى من نفسه التوكل على ربه عز وجل ويرى أن الشدائد ما زالت نازلة، والآلام ما زالت حاصلة فيستبطئ الفرج، فالله سبحانه وتعالى وعده الفرج لكن جعل الله سبحانه وتعالى لكل شيء قدرا، إن الله بالغ أمره،لابد في الابتلاء أن يبلغ الوقت الذي أراده الله وينتهي به، فقضاء الله لا بد أن أن يبقى إلى الوقت المعلوم، فلابد أن يبلغ القضاء والقدر إلى الوقت الذي أراده الله عز وجل، فلا تكن مستعجلا لا بد أن يبلغ أمر الله عز وجل المبلغ الذي أراده سبحانه وتعالى، ويأتي الفرج لابد ويأتي اليسر بعد العسر فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، لكن كل ذلك في الوقت الذي أراده الله لا للوقت الذي أردته، فأنت ربما تريد الفرج في اللحظة القريبة وفي الوقت القريب، والله سبحانه وتعالى يريد الفرج بعد أمد معلوم لحكمة أرادها، فأمر الله لابد أن ينفذ إلى ذلك الوقت الذي أراده الله سبحانه وتعالى، إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا، قدر الله لابد أن يمضي إلى الوقت الذي أراده الله سبحانه وتعالى ثم يأتي الفرج من الله عز وجل، فكن صابراً ولا تكن مستعجلا، ولا تكن قانطا من الله عز وجل من رحمته إن تأخر الفرج فإن القنوط من رحمة الله عز وجل معصية وهي خلاف التقوى، فمن تقوى الله عز وجل ألا تكن قانطا من رحمة الله سبحانه وتعالى، قال بعد ذلك: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا، يجعل له من أمره يسرا من جميع أموره، لك التيسير إن كنت تقيا لله عز وجل، في أي أمر اتجهت إليه يتعثر على الناس فييسره الله سبحانه وتعالى لك بسبب تقواك، وإن حصل شيء من التعسير فتأمل في نفسك فالخطأ حصل منك والزلل منك وانظر في تقواك لله عز وجل، فإنما تؤتى من جهة نفسك، وإلا فإن وعد الله سبحانه وتعالى صدق، وكلام الله صدق، وعد الله حق، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله اليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، من يتق الله عز وجل يكفر عنه سيئاته وهذا تيسير بإزالة الأثقال، فإن الذنوب مثقلة للعبد ولسيره ويسير العبد بصعوبة إذا كانت الذنوب على ظهره، فإنها تصد عن الخير وتثقله في منافعه، تثقله في السير إلى الله عز وجل كما قال سبحانه وتعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2)} وهو الإثم{الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3)} بمعنى أثقل ظهرك، فالذنوب مثقلة ويجد العبد فيها العسر والصعوبة والشدة، فمن كان تقي لله عز وجل أزال الله عنه هذا العسر عسر وثقل الذنوب ومشقة الذنوب، فسار إلى الله عز وجل بكل سهولة ويسر خفيفا سريعا في مرضاة الله سبحانه وتعالى، قال ويعظم له أجرا، وهذا تيسير في باب الأعمال الصالحة يجعل الله سبحانه وتعالى لك الأجر العظيم والثواب الكثير بسبب تقواك لله سبحانه وتعالى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ}[الحديد:28].
فيجعل الله سبحانه وتعالى لك ضعفين من رحمته بسبب تقواك سبحانه وتعالى، فاتق الله سبحانه وتعالى في سرك وفي علانيتك إن أردت الخير والسعادة في الدنيا والآخرة والجنة إنما جعلها الله سبحانه وتعالى للمتقين، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا (63)}
فعلينا أن نحقق تقوى الله سبحانه وتعالى، وأن نتقي الله في السر والعلن، وأن نتقي الله في جميع أحوالنا، وفي جميع أوقاتنا حتى نلقى ربنا سبحانه وتعالى إن أردنا الخير في الدنيا والآخرة.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المتقين، اللهم اجعلنا من المتقين، اللهم اجعلنا من المتقين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك، وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.

جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي