التزويق في بيان أحكام أيام التشريق ١٢ ذي الحجة ١٤٤٤ 2023-07-06 01:21:46
خطبة جمعة بعنوان (التزويق في بيان أحكام أيام التشريق)
لشيخنا المبارك أبي بكر الحمادي حفظه الله ورعاه
سجلت بتاريخ ١٢ ذي الحجة
١٤٤٤ه
بمسجد المغيرة بن شعبة
مدينة القاعدة
محافظة إب حفظها الله وسائر بلاد المسلمين
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد:فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم :{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}[البقرة:203].
والأيام المعدودات هي هذه الأيام التي نحن فيها وهي أيام التشريق، أيام التشريق هي الأيام المعدودات، ونحن في هذا اليوم في أوسط أيام التشريق في هذه الأيام المباركات، وهذه الأيام يقال لها أيام التشريق، قال بعض العلماء : لأن الأضاحي تشرق للشمس في هذه الأيام، وكانوا قديما يخرجون لحوم الأضاحي إلى الشمس ويعرضونها للشمس حتى لا يدخلها الفساد، وكانوا يفعلون ذلك في هذه الأيام في أيام التشريق فقيل لها أيام التشريق.
وقال بعض العلماء : سميت هذه الأيام بأيام التشريق لأن الأضاحي فيها تذبح بعد شروق الشمس، فإن أيام التشريق من أيام ذبح الأضاحي في يومين منها أو في ثلاثة أيام على نزاع بين العلماء في ذلك.
وقيل أن أيام التشريق سميت بذلك باعتبار صلاة أن العيد تصلى بعد شروق الشمس، وهذا على قول من قال من أهل العلم أن يوم النحر يدخل في أيام التشريق، وأن أيام التشريق عبارة عن أربعة أيام، والمشهور عند العلماء أن أيام التشريق هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهذه الأيام المباركات يقال لها أيضا أيام منى، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث كعب بن مالك في مسلم وأيام منى أيام أكل وشرب.
ويقال لهذه الأيام المباركات الأيام المعدودات كما سماها بذلك رب العالمين سبحانه وتعالى في الآية التي تلوناها{ واذكروا الله في أيام معدودات } وأفضل أيام التشريق أول يوم منها، فقد جاء عند أبي داوود وعند غيره من حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر.
ويوم القر هو: أول أيام التشريق، لأن الحجاج يقرون في منى لرمي الجمار، وثاني أيام التشريق يقال له يوم النفر الأول في حق المتعجل الذي يريد أن يتعجل، فإنه يرمي الجمار بعد الزوال في اليوم الثاني عشر ثم يتعجل ويخرج من منى، واليوم الثالث من أيام التشريق يقال له يوم النفر الآخر، هذه الأيام المباركات جمع الله سبحانه وتعالى فيها نعيم الروح ونعيم البدن، جمع الله عز وجل فيها بين النعيمين بين نعيم الروح وبين نعيم البدن، فيها عبادات هي من نعيم الأرواح، وفيها توسع في الشهوات المباحات وذلك من نعيم الأبدان، فمن أحكام هذه الأيام المباركات أنها الأيام التي يرمي فيها الحجاج الجمرات في كل يوم بعد زوال الشمس، ومن أحكامها أن الحجاج يبيتون في منى من أجل أيضا رمي الجمرات، ومن أحكامها أنها الأيام التي يشرع فيها الهدي والأضحية، إما في يومين منها على قول جمهور العلماء، أو في ثلاثة أيام كما ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي رحم الله الجميع، فهي أيام النسك:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ}[الحج:34].
هكذا يقول ربنا سبحانه وتعالى، ومن أحكام هذه الأيام المباركات أن هذه الأيام أيام ذكر لله عز وجل، كما قال الله سبحانه وتعالى :{واذكروا الله في أيام معدودات} والمراد بالأيام المعدودات هي أيام التشريق، وذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام المعدودات على أنواع متعددة، من ذلك الذكر المقيد بالتكبير في أدبار الصلوات، ويبدأ ذلك من فجر يوم عرفة وينتهي في آخر أيام التشريق، فيكبر الناس ربهم سبحانه وتعالى في أدبار الصلوات المكتوبات، ولا يكون التكبير في أدبار النوافل، وإنما في أدبار الصلوات المكتوبات، وسواء في ذلك صلاة الجمعة أو غير ذلك من الصلوات المكتوبات، وهذا إذا صلى الناس جماعة، وأدى الناس الفرائض في بيوت الله عز وجل فإنها شعيرة عامة من شعائر المسلمين، تؤدى في جماعات المسلمين أعني التكبير المقيد وفيها أيضا التكبير المطلق وهذا يكون في جميع الأوقات لجميع الناس، يكبرون الله سبحانه وتعالى في ليلهم وفي نهارهم، يكبرون كما كبر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ومن جملة التكبير في هذه الأيام المباركات التكبير عند ذبح الأضاحي والهدي إن أخر ذلك، فإن المضحي والمهدي يسمي الله عز وجل والتسمية شرط في الذبيحة،{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}[الأنعام:121].
في حديث رافع بن خديج في الصحيحين، قال عليه الصلاة والسلام:" ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه.
فيسمي المسمي على ذبيحته ويكبر ويقول : بسم الله والله أكبر، وهذا من جملة التكبير في هذه الأيام المعدودات، وهكذا من ذكر الله عز وجل في هذه الأيام المعدودات ذكر الله سبحانه وتعالى عند أكل لحومها وعند الإنتهاء من أكل لحومها وغير ذلك من أنواع الأكل، فيسمي العبد ربه سبحانه وتعالى وهذا من ذكر الله، ويحمد الله سبحانه وتعالى بعد أكله وهذا من ذكر الله، وفي الصحيحين من حديث عمر بن أبي سلمة قال:"
كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ.
وفي مسلم من حديث أنس رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام:"إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا.
فيرضى الله سبحانه وتعالى عنك ذلك، فهذه الأيام المعدودات هي أيام ذكر لله عز وجل، فأكثروا من ذكر الله سبحانه وتعالى.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته وأن يتجاوز عن سيئاتنا إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد معاشر المسلمين : جمع الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام بين نعيم الأرواح ونعيم الأبدان، فجعل الله سبحانه وتعالى هذه الأيام أيام أكل وشرب مع ذكر لله عز وجل، يجمع العبد بين الغذائين بين غذاء الروح وبين غذاء البدن، فذكر الله عز وجل غذاء للأرواح، والأكل والشرب غذاء للأبدان، فيجمع العبد بين الغذائين وبين النعيمين ولا يكن من الغافلين، جاء في مسلم من حديث نبيشة الهذلي رضي عنه، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:" أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل.
فهي أيام أكل وشرب وأيام يذكر العبد فيها ربه سبحانه وتعالى، يجمع بين الغذائين، وفي مسلم من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أرسله وأوس بن الحدثان فنادى أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أكل وشرب، وأيام منى هي أيام التشريق، وأيام منى أيام أكل وشرب، وجاء عند أبي داود وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن رسول الله عليه الصلاة أنه قال:"يومُ عرفةَ ويومُ النَّحرِ وأيَّامُ التَّشريقِ عيدُنا أهلَ الإسلامِ وهي أيَّامُ أكلٍ وشربٍ.
ويوم عرفة عيد المكاني لأهل عرفة للحجاج، وإلا فإن من لم يكن من الحجاج فيستحب له أن يصوم يوم عرفة كما هو معلوم من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو عيد من الأعياد المكانية للحجاج في يوم عرفه والحاج لا يصوم ذلك اليوم، وأما غير الحجاج فيصومون ذلك اليوم كما جاء في ذلك سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيتوسع الإنسان بما أحل الله له من المطعم والمشرب من غير إسراف ولا تبذير، فإن ذلك مما نهى عنه رب العالمين سبحانه وتعالى، فهذه أيام مباركات ولا يجوز للعبد أن يصوم فيها إلا المتمتع الذي لم يجد الهدي، فقد جاء في البخاري من حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قال :" لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي.
من كان حاجا ولم يجد الهدي فيصوم ثلاث أيام في الحج، وله أن يصوم هذه الثلاثة الأيام في أيام التشريق ، ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله كما أمر بذلك رب العالمين سبحانه وتعالى، فمن الخطأ ما يقوم به بعض الناس من صيام الثالث عشر وهو آخر أيام التشريق بنية صيام أيام البيض فإن هذا لا يشرع، من أراد أن يصوم أيام البيض فليصم الرابع عشر والخامس عشر ويكتفي بذلك، ولا يصوم الثالث عشر فإن الثالث العشر من أيام التشريق وهي أيام عيد كما أخبرنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يرخص في صيامها إلا للحاج الذي لم يجد الهدي، كما جاء ذلك في حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وأن يرحمنا برحمته إنه الغفور الرحيم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم عافنا في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم الطف بالبلاد والعباد، اللهم الطف بالبلاد والعباد، اللهم اكشف هموم والمهمومين، ويسر على المعسرين، واقضي الدين عن المدينين، وعافي مبتلى المسلمين، واشف مرضاهم، وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.