الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /التنوير على معنى أثر ابن مسعود في الفتنة التى يربو عليها الصغير
التنوير على معنى أثر ابن مسعود في الفتنة التى يربو عليها الصغير 2022-12-31 16:02:46


*خطبة جمعة بعنوان:(التنوير على معنى أثر ابن مسعود في الفتنة التى يربو عليها الصغير)*
 
*لشيخنا المبارك: أبي بكر بن عبده بن عبدالله الحمادي حفظه الله*
 
*سجلت بتأريخ ٩/رجب/١٤٤٣ هجرية*
 
*مسجد المغيرة بن شعبة مدينة القاعدة محافظة إب حرسها الله وسائر بلاد المسلمين*
 
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]
أما بعد: اعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة
 
روى الدارمي في سننه، والحاكم في مستدركه، وغيرهما، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال :كيف أنتم إذا لبستكم فتنة: يهرم فيها الكبير، ويربوا فيها الصغير، ويتخذها الناس سُنَّة،فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة، قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: إذا كثرت قُرَّاؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة.
فهذا الأثر عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن أمور الفتن الحاصلة في الأمة لا تدرك إلا بالوحي، لا تدرك إلا بالخبر عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال رضي الله عنه: كيف بكم إذا لبستكم فتنة، يهرم فيها الكبير، ويربوا فيها الصغير، فتنة تستمر في الناس، شر ومحنة، وبلاء ينتشر في الناس، من كان كبيرا فإنه يهرم وهو في تلك الفتنة، يبلغ من الكبر مبلغاً عظيماً وهو في تلك الفتنة، ومن كان صغيراً فإنه يكبر وهو مازال في تلك الفتنة، ويتخذها الناس سنة، وهذا هو البلاء؛ أن تتخذ الفتن سننا، وتُجعل الفتن من دين الله عز وجل، فيتسمك الإنسان بها كتمسكه بدين رب العالمين سبحانه وتعالى، وإذا ما غيرت تلك الفتنة جاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وأنكروا تلك الفتنة، وحذروا منها استنكرت قلوب الجاهلين، هذا الأمر وقالوا : غيرت السنة، وهو إنما غيرت الفتنة، وأزيل الشر، لكن بسبب الجهل حصل هذا الأمر، كم من أمور مخالفة لدين الله عز وجل، يهرم عليها الكبير، ويربوا عليها الصغير، وتتخذ سنّة، من أعظم هذه الأمور مسائل الشرك بالله عز وجل، عبادة غير الله سبحانه وتعالى، والتعلق بغير الله عز وجل، عبادة الأموات، والتعلق بأهل القبور، بما يسميه الناس بالأولياء، بأضرحة الأولياء وهذا موجود في كثير من الأماكن التي يكثر فيها الجهل، ويقل فيه العلم، تتعلق القلوب بمخلوق ضعيف، لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وتنصرف قلوب أولئك عن رب العالمين سبحانه وتعالى، عن الحي القيوم، عن الغني، عن القدير، سبحانه وتعالى، فيبقى الناس على ذلك الأمر السنين المتطاولة، يربوا الصغير على هذا التعلق بغير الله عز وجل، يربوا ويكبر ويعرف أباءه وأجداده على هذا الأمر فيظن أن هذا من دين الله عز وجل، وأن هذا مما يحبه الله سبحانه وتعالى، فإذا جاء الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وقالوا للناس اتقوا الله هذا شرك بالله عز وجل، فلا يدعى إلا الله، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يستعان إلا به، ولا يسأله إلا إياه، إياك نعبد واياك نستعين، إذا بأولئك الجهال يقولون: تغير الدين، جاء هؤلاء بدين جديد، وإنما جاءوا بدين المرسلين، قال الله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}[سورة الأنبياء:25].
فجميع الرسل دعوا الخلق إلى عبادة الخالق سبحانه وتعالى، لا يدعى إلا هو سبحانه، لا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به، ولا يستعان إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، فلا تصرف أي نوع من العبادات إلا له سبحانه وتعالى، بهذا أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل، وبهذا أنزل الله سبحانه وتعالى الكتب، لكن بسبب الجهل أُتخذ الشرك الذي هو أعظم الفتن أُتخذ سنة وعبادة، يتقرب بها المتقربون إلى الله عز وجل، ويظنون أن ذلك من دين الله، وأن ذلك من شرعه، وهكذا من الفتنة التي يربوا عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير، فتن البدع والعياذ بالله، فتن البدع لا سيما في الأماكن الذي يكثر فيها الجهل، فكم من بدع تنتشر في أوساط الناس، يربوا الصغير، يشاهد أباه، ويشاهد أمه، ويشاهد المجتمع، ويشاهد أجداده؛ على تلك البدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان، ليس عليه حجة من كتاب الله، ولا من سنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، فيظن أن ذلك من الدين، فإذا ما جاء المنكرون بتلك البدعة وقالوا للناس اتقوا الله ليس هذا من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا من هدي صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام:"مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُو رَدٌّ" متفق عليه، من حديث عائشة رضي الله عنها
وفي روايةٍ لمسلمٍ:"من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ".
قال الجاهلون: غيّرت السنة، وإنما غيّرت البدعة في الحقيقة، غيرتّ البدعة، كم من بدع تنتشر في أوساط الناس ويتساقط الناس إليها تساقطا سريعا بسبب جهلهم بدين الله عز وجل، لا سيما في هذا الشهر في شهر رجب، كم من بدع أحدثها الناس من أوله إلى آخره، بدع متكاثرة، وتكثر هذه البدع عند غلبة الجهل، وتقل تلك البدع عن غلبة العلم، وإلا فإن البدع منتشرة في أوساط الناس في هذا الشهر، يتابع بعضهم بعضا على تلك البدع، ويتمسكون بها أعظم من تمسكهم بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل أعظم من تمسكهم بأركان الإسلام، ربما يكون الشخص منهم عنده ما عنده من التفريط بأركان الإسلام، متلاعب بفرائض الله عز وجل، متلاعب بالصلوات المفروضات المكتوبات التي جعلهن الله سبحانه وتعالى فيصلاً بين أهل الإسلام وبين أهل الكفر، ويتلاعب بسائر الفرائض العظام، وإذا ما جاءت تلك البدع إذا به يتجه إليها ويعض عليها بالنواجذ، ويحرص عليها حرصا بالغا، وكل ذلك من تزين الشيطان لكثير من الناس، فاتقي الله عز وجل عبدالله، اتقي الله وعليك بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا تتجاوز كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ولا تتجاوز أفهام الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فإن الخير في ذلك، والشر في مخالفة ذلك، في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنَّهُ مَن يعِشْ منْكم بعدي فسيَرى اختِلافًا كثيرًا فعليكُم بسنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المَهديِّينَ من بعدي تمسَّكوا بِها وعضُّوا عليها بالنَّواجذِ وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ"؛ أخرجه أبو داود(4607).
كيف أنتم إذا لبستكم فتنة: يهرم فيها الكبير، ويربوا فيها الصغير، ويتخذها الناس سُنَّة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة، قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبدالرحمن؟ قال: إذا كثرت قُرَّاؤكم،وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم وفي لفظ أموالكم، وقلت أمناؤكم.
إن وجدت هذه الأمور، وإن وجدت هذه الشرور، وجدت تلك الأمور المعكوسة المقلوبة المخالفة لدين رب العالمين سبحانه وتعالى، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن يرحمنا برحمته إنه هو الغفور الرحيم.
 
 
*الخطبة الثانية:*
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم، إذا ذهب العلماء أو قلوا وهو أهل الفقه، الذين قال عنهم النبي عليه الصلاة والسلام:"مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"؛روى البخاري (71) ، ومسلم (1037) عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
فإذا قل هؤلاء، وكثر الجهال الذين ليس لهم إلا قراءة القرآن من غير علم بمراد الله عز وجل في كتابه، مجرد تلاوة من غير فقه بمعاني كلام الله عز وجل، من غير فقه لدين الله سبحانه وتعالى، كحال أهل الكتاب الذي قال الله سبحانه وتعالى فيهم:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}[سورة البقرة:78]
إلا أماني: أي إلا مجرد قراءة، لا يفهمون معنى ما يقرءون، لا فقه لهم، ولا علم لهم بمراد الله عز وجل، هذا شأن أهل الكتاب، ذمهم الله سبحانه وتعالى بذلك، فمن كان  ليس له إلا مجرد  القراءة من غير فقه بمعاني ما يقرأ فشأنه بذلك كشأن أهل الكتاب الذين ذمهم رب العالمين سبحانه وتعالى، ومن هنا تنتشر الفتن من أوساط هؤلاء الجهال، تنتشر الفتن وتنتشر الشرور، وتحصل البدع والمخالفات بدين الإسلام، جاء عند أبي داود(4611، وعند غيره، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال رضي الله عنه:" إنَّ من ورائكم فتنًا يكثر فيها المالُ، ويفتح فيها القرآنُ حتى يأخذه المؤمنُ والمنافقُ والرجل والمرأةُ والصغيرُ والكبيرُ والعبدُ والحرُّ، فيوشك قائلٌ أن يقول : ما للناس لا يتبعوني وقد قرأتُ القرآن ؟ ما هم بمتَّبعي حتى أبتدعَ لهم غيرَه، فإياكم وما ابتدعَ، فإنَّ ما ابتدع ضلالة..
جاءت البدع من هؤلاء الذين لا يفهمون ولا يفقهون دين الله سبحانه وتعالى، يقراءون القرآن من غير إخلاص لرب العالمين سبحانه وتعالى، لا يريدون بذلك وجه الله، يريدون السمعة، يريدون الرياء، يريدون الرياسة في الناس، يريدون أن يشار إليهم بالبنان، يريدون من الناس أن يتبعوهم على ما هم في من الجهل والعياذ بالله، ما عندهم الإخلاص لرب العالمين سبحانه وتعالى، وما عندهم الفقه في دين الله عز وجل، فيقرأ أحدهم القرآن ويقول مال للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن إنهم لن يتبعوني حتى ابتدع لهم غيره، قال : فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة، فتأتي الفتن والشرور، وتأتي المحن على المسلمين من أوساط الجهال الذين لا يعقلون، ولا يفقهون دين رب العالمين سبحانه وتعالى، قال :" إذا كثر قراؤكم" والخوارج الذين خرجوا في الزمن القديم وقاتلهم علي رضي الله عنه ومن معه من الصحابة الكرام، خرجوا بتلك العقيدة الباطلة، وكفروا علياً رضي الله عنه، وكفّروا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، واستحلوا دمائهم، وهم كانوا يقراءون القرآن، لكنهم لا يفقهون ما يقراءون، في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، وجاء عن غيره، أحاديث متعددة في ذمهم، منها هذا الحديث الذي في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيهم:" يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم".
هم يقراءون لكنهم لا يفقهون معنى ما يقراءون، وحصل ما حصل منهم من الفتن العظام، ومن الشرور الكبار على الإسلام والمسلمين، النجاة النجاة بالعلم، بالتفقه بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، والجهل مفتاح كل شر وبلاء، إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم وكثر أموالكم وفي لفظ"أمراؤكم" وقل أمناؤكم، إذا حصلت هذه الأمور انفتحت الفتن على الناس، فتن الدنيا، فتن الأموال إذا انتشرت في الناس فيحصل ما يحصل من البلاء والشرور، إذا كثرت الأموال، وقل الأمناء على دين الله عز وجل، قل الأمناء الذين  يؤتمنون على أموال الناس، وعلى أديان الناس، فإنه يحصل ما يحصل من الشرور والفتن والبلاء، إذا ما حصلت هذه الأمور في الأمة كما ذكر ذلك عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفنا والمسلمين كل شر وفتنة ومكروه وبلاء إنه على كل شيء قدير، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها، اللهم اغفر لموتى المسلمين أجمعين، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي