الرئيسية / الخطب والمحاضرات/ الخطب /كشف السر في شرح حديث إن الصدق يهدي إلى البر
كشف السر في شرح حديث إن الصدق يهدي إلى البر 2023-01-05 15:43:56


خطبة جمعة 
كشف السر في معنى حديث الصدق يهدي إلى البر
للشيخ أبي بكر الحمادي حفظه الله تعالى
 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهو لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحابه وسلم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] 
 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 70، 71]
 أما بعد :
اعلموا أن  خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة.
جاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن  النبي صلى الله عليه وسلم قال :(علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا).البخاري (6094)، ومسلم (2607).
هذا الحديث العظيم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حث فيه نبينا عليه الصلاة والسلام على خلق ،وزجر نبينا عليه الصلاة والسلام  عن ضده ،فحث نبينا عليه الصلاة والسلام على خلق الصدق ،وزجر نبينا عليه الصلاة والسلام عن ضده وهو الكذب ،وهذا الحديث النبوي من أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام،من جوامع الكلم ،فقد حث النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث حث على كل خير ،وزجر النبي عليه الصلاة والسلام عن كل شر،وذلك أن الصدق هو أساس الحسنات وجماعها، والكذب هو أساس السيئات ونظامها، هكذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه- فالصدق هو أساس الحسنات فمن تحلى بالصدق فقد تحلى بأعظم أسباب الخيرات ،وبأعظم أسباب الحسنات والقربات ،فالصدق هو أساس الأعمال الصالحة ،فكل عمل صالح منشأه من الصدق ،وكل عمل فاسد منشأه من الكذب ،فالصدق له شأن عظيم أن يصدق قلب العبد مع ربه - سبحانه وتعالى- ومع الخلق ،وهكذا يصدق الإنسان مع الله - سبحانه وتعالى- ومع الخلق،من كان صادقاً في معتقده وكان صادقاً في منطقه وكان صادقاً في ظاهره وباطنه فقد جمع الخير كله ،وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم{هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)}[ المائدة- ١٩٩].
جعل الله - سبحانه وتعالى- له الجنة بسبب صدقه مع ربه - سبحانه وتعالى- وبسبب صدقهم أيضاً مع الخلق ، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}[التوبة-١٩٩].
يأمرنا ربنا - سبحانه وتعالى- أن نكون معهم أن نكون مع أهل الصدق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ (21)}[محمد-٢١].
ينال العبد الخير بصدقه مع ربه - سبحانه وتعالى- معاشر المسلمين : هذا الخلق من الأخلاق الواجبة، يجب على العبد أن يتحلى به؛أن يتحلى بالصدق ظاهراً وباطناً ، فإن من أركان الرسالة والنبوة الصدق ، الصدق ركن من أركان الرسالة والنبوة، لا يكون الكاذب رسولاً ،الكاذب لا يكون رسولاً ولا نبياً ،فالصدق من أركان النبوة ،الصدق من أركان الشهادة لا تُقبل الشهادة من الكاذبين، من عُلم بالكذب فإن شهادته مردودة، فالصدق ركن من أركان الشهادة،الصدق ركن من أركان الحكم فما يحكم بين الناس إلا من كان كذلك،الصدق ركن من أركان الفُتيا، فإن المفتي مخبر عن ربه - سبحانه وتعالى- ومخبر عن نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام فلابد أن يكون صادقاً ،فإن كان كاذباً فإن فُتياه مردودة، فالفُتيا من أركانها العظيمة الصدق ،الصدق ركن من أركان الحديث والخبر من عُلم عنه الكذب لا يُقبل حديثه ولا يُقبل خبره،لا تُقبل أحاديث الكذابين، ولا تُقبل أخبار الكذابين ،فالصدق ركن من أركان الحديث والخبر، الصدق له شأن عظيم ،الصدق هو الفارق بين المسلم والمنافق ،إن كانت صادقاً فقد نجوت من النفاق،الصدق ركن من أركان الرؤيا ،جاء في مسند الإمام أحمد وعند غيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال(وأصدقُهم رؤيا أصدقُهم حديثًا). فلهذا قال أهل العلم : الصدق ركن من أركان الرؤيا،الصدق له شأن عظيم ،الصدق كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يهدي إلى البر؛والبر اسم جامع لكل ما يحبه الله - سبحانه وتعالى- ويرضاه، فهو يدعو إلى كل عمل صالح ،يدعو إلى كل خلق حسن من كان صادقاً في قلبه ،وصادقاً في لسانه،وصادقاً في ظاهره وباطنه ، فإن هذا الصدق يدعوه إلى كل خلق حسن ويبعده عن كل خلق قبيح، عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة فهو طريق موصل إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، والصديق صيغة مبالغة تدل على كثرة الصدق ،فمن كان كثير الصدق نال هذه المرتبة عند ربه - سبحانه وتعالى- مرتبة الصديقيه، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، قال وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور،فالكذب يهدي ويدعو إلى كل رذيلة،يدعو إلى قبيحة،يدعو إلى كل سيئة،وبهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الصدق أساس الحسنات وجماعها والكذب أساس السيئات ونظامها ، فكل السيئات منشاؤها من الكذب ،ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، الصدق يهدي إلى البر، وأما الكذب فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور في أصل اللغة بمعنى الشق ومنه الفجر لانشققه بالضوء بعد الظلة فالفجور هو شق ستر الديانة ويطلق على  الميل من الحق إلى الباطل ،ومن الصدق إلى الكذب ، فكل ميل إلى الباطل فهو فجور ،فالفجور هو شق ستر الديانة، فالكذب يدعوا إلى كل فجور ،من كان كاذباً في قلبه وكاذباً في لسانه ،كاذباً في ظاهره وباطنه فإن هذا الكذب يدعو إلى كل الفجور ،الكذب هو الفارق بين النبي الصادق والمتردي الكاذب ،من الفوارق بين المسلمين وبين المنافقين، فإن المنافق موصف بالكذب ،والمتنبى موصف بالكذب، وأما الأنبياء فهم الصادقون وأئمة الصدق،والمسلم موصف بالصدق ويبتعد عن هذا الخلق السيء، معاشر المسلمين: كيف لا يكون الكذب يدعو إلى الفجور وهو مفتاح لكل شر ،والشيطان يتنزل على من كان كاذباً {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)}[ الشعراء-٢٢١-٢٢٢].
فتتنزل على الكذابين الشياطين ،وإذا كانت الشياطين تتنزل على الكذابين فمن أين يأتيهم الخير،من أين يأتي الخير في معتقداتهم، ومن أين يأتي الخير في أقوالهم ،ومن أين يأتي الخير في أفعالهم،والشياطين هي التي تتنزل عليهم { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)}[ مريم-٨٣].
تؤيدهم إلى كل رذيلة، وتؤيدهم إلى كل معصية وقبيحة، فيا معاشر المسلمين عليكم بالصدق وإياكم والكذب ،احرصوا على خلق الصدق وابتعدوا عن الكذب، استغفر الله أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد،
 معاشر المسلمين إن الكذب يهدي إلى الفجور كما أخبرنا بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، والفجور يهدي إلى النار{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)}[ المطففين-٧].
فالكذب يهدي إلى الفجور ،ولو تأمل العبد في كثير من السيئات العظام ومن الذنوب المتكاثرة وجد أن من اتصف بها لابد أن يكون متصفاً بهذا الخلق السيء وهو خلق الكذب،لو تأملنا في الكفر بالله - عزوجل- والشرك به فإن منشأ الكفر ومنشأ الشرك الكذب على الله - سبحانه وتعالى- {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103)}[ المائدة-١٠٣].
فالكفار يكذبون على ربهم - سبحانه وتعالى- يقولون حرم الله كذا وما حرم ،أمر الله بعبادة كذا وما أمر بذلك،شرع الله كذا ولم يشرع الله - سبحانه وتعالى- ذلك ، يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم{ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} هكذا يبين - سبحانه وتعالى- شأن الكاذبين{وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}المائدة-١٠٣
 وهكذا إذا تأمل المتأمل في النفاق يجد على أن الكذب من أركانه، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :( آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذَبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خان) وهكذا جاء بنحو من ذلك من حديث بريدة المتفق عليه وفيه (إذا حدث كذب)
فالكذب ركن من أركان النفاق ،فمن كان منافقاً لابد أن يكون متصفاً بهذه الصفة الذميمة وهي صفة الكذب والعياذ بالله، فالكذب يدعو إلى النفاق، والكذب يدعو إلى البدع والأهواء،فإن من أحدث في دين الله - عزوجل- مالم ينزل الله - سبحانه- به سلطاناً فهو يقول أمر الله بكذا ولم يأمر الله- عز وجل- به ، وهذا من دين الله - عزوجل- وليس ذلك من دين الله، وهذا من هدي رسول الله وليس ذلك من هدي رسول الله، وهو القائل عليه الصلاة والسلام( من أحدَث في أمرِنا  هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ) في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها وفي روية عند مسلم( من عمل عملًا ليس عليه أمرِنا فهو رَدٌّ) 
فالكذب يدعو إلى هذا الفجور ،يدعو إلى البدع والمحدثات، الكذب يدعو إلى الخيلاء، ويدعو إلى الكبر ،فإن الشخص لا يتصف بخلق الخيلاء والكبر إلى أن يكذب على نفسه ،يكذب على نفسه ويصور لنفسه الأمور على غير حقائقها، يصور في نفسه العظمة وأنه أعظم من سائر الناس ،وأنه أرفع من سائر الناس،ويصور في نفسه أن الناس في غاية الذلة والحقارة، وأن الرفعة له ،وأن المكانة له ، وهذا من كذب الإنسان على نفسه ، وهذا الخلق من أسوء الأخلاق ،في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال:(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقل ذرة من كبر) هذا المقدار اليسير مانع من دخول الجنة ،فكيف بالمقدار الكبير، وفي البخاري من حديث عبدالله بن عمر  وجاء بنحوه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال:( بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه، يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)  تجلجل بها إلى يوم القيامة عاقبه الله - عزوجل - هذه العقوبة الشديدة بسبب مافي نفسه من الكبر والخيلاء والعياذ بالله ، منشأ الخيلاء والكبر هو الكذب ،منشأ العجب الذي هو من كبائر الذنوب ،جاء عند البيقهي في شعب الإيمان من حديث أنس ،وعند غيره ،قال عليه الصلاة والسلام( لو لم تذنبوا، لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العُجْب)) منشأ العجب هو الكذب يكذب الإنسان على نفسه ،وأنه قد عمل أعمال عظيمة ،وأعمال كبيرة ،وكل هذا من الكذب على النفس ،فإن عمل العبد منذُ أن عقب العمل إلى أن يأتيه الموت لا يسوى نعمة من نعم الله- عز وجل- كنعمة البصر ونعمة النفس وكنعمة السمع وغير ذلك من النعم ،فكيف يأتِ العجب في قلب الإنسان ،ما يأتيه العجب إلى من جهة الكذب يكذب على نفسه في التصورات،فإن الكذب يكون بالتصورات،ويكون الكذب في القلب ،ويكون الكذب في اللسان ،ويكون الكذب في الظاهر والباطن ،الكذب أوسع من قضية الكذب  باللسان ؛ ،والكذب في اللسان من أنواع الكذب وهو يدعو إلى كل شر، معاشر المسلمين: لو تأمل المتأمل في خلق البخل وجد على أن منشأه الكذب أيضا،يكذب الإنسان على نفسه وأنه إذ تصدق وأنفق في مرضات الله - عزوجل- افتقر، وكل هذا من الكذب على النفس، فإن الصدقة لا تنقص المال بل يزداد الإنسان غناً إلى غناه ...إذا ما أنفق في مرضات الله- عز وجل- {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)}[ البقرة-٢٦٨].
لو تأمل الإنسان في سائر سيئاته وفي سائر المحرمات الشهوانية يجد أن منشأ الكذب على النفس، الذي يقع فيما حرم الله - عزوجل- عليه الذنوب الشهوانية من شرب الخمر والزنا ،وغير ذلك من الشهوات المحرمة والأغاني الماجنة وغير ذلك، ما الذي يدعوه الوقوع فيها الكذب على النفس،يكذب على نفسه أن في ذلك الراحة له، والسعادة له ،وإنما هي راحة كاذبة مؤقته، فإذا ما زال ذلك الشيء جاءت الآلام والشدائد، يجد الشخص في نفسه ضيقاً في نفسه،  يريد أن يزيل الضيق في نفسه بمعصية الله - عزوجل- شأنها كشأن ابرة التخدير وحبوب التخدير توقف الألم في وقت يسير ثم يرجع الألم مضاعفاً إذا لم يحصل العلاج الصحيح ،فالعلاج بذكر الله- عزوجل-{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}[ الرعد-٢٨].
علاج الضيق وما في النفس من الآلام والشدائد بطاعة الله- عز وجل- بالإستقامة على دين الله ،بالصلاة والذكر والصيام وغير ذلك، يزول المرض وتأتي العافية ،فالذي يقع في الذنوب الشهوانية يكذب على نفسه،الذي يترك الواجبات أيضا يكذب على نفسه بأنه لا يطيق ذلك وهو يُطيق ،وأن في ذلك المشقة شديدة عليه وليس في ذلك شيء وذلك يسير ،فإن دين الله- سبحانه وتعالى- كله يُسر،فمن كان الكذب في لسانه أو قلبه فإنه يدعو إلى كل شر وإلى كل رذيله،ويبعده عن كل خير ،وأما الصدق فإنه يدعو إلى كل خير ،ويزجر عن كل شر ،أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين ،اللهم اغفر لنا ذنوبنا أجمعين،اللهم ارحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كله دقه وجله وأولها وآخرها وعلانيتها وسرها ،اللهم اهدنا للصراط المستقيم وجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم يسر على المعسرين وقضي الدين على المدينين وعفِ مبتلى المسلمين وشف مرضاهم وارحم موتاهم إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.



جميع الحقوق محفوظة لـ الموقع الرسمي للشيخ أبي بكر الحمادي